فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى عبد الله بن موسى عن العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عبّاد بن عبد الله قال: سمعت عليًّا يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلاّ كذاب مفتر، صلّيت قبل الناس بسبع سنين.
وقال بعضهم: أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر رضي الله عنه وهو قول إبراهيم النخعي وجماعة يدلّ عليه ما روى أبو أمامة الباهلي عن عمرو بن عنبسة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بعكاظ، قلت: يا رسول الله من تبعك في هذا الأمر؟ قال صلى الله عليه وسلم: «اتبعني رجلان حر وعبد أبو بكر وبلال» فأسلمت عند ذلك، فلقد رأيتي إذ ذاك ربع الإسلام.
قال: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا الحسن علي بن عبد الله البدخشي يقول سمعت أبا هريرة مزاحم بن محمد بن شاردة الكشي يقول: سمعت غياث بن معاذ يقول: سمعت وكيع بن الجراح يقول: عن إسماعيل بن خالد عن الشفهي قال: قال رجل لابن عباس: مَن أول الناس إسلامًا قال: أبو بكر رضي الله عنه أما سمعت قول حسان بن ثابت:
إذا تذكرت شجوًا من أخي ثقة ** فاذكر أخاك أبابكر بما فعلا

خير البرية أزكاها وأعدلها ** بعد النبي وأوفاها بما حملا

الثاني التالي المحمود مشهده ** وأول الناس منهم صدّق الرسلا

قال بعضهم: أول من أسلم من الرجال زيد بن حارثة، وهو قول الزهري وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس، وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي جمع بين الأخبار فيقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة.
قال ابن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله.
قال: وكان أبو بكر رجلا مؤالفًا لقومه محبًا سهلا وكان أنسب قريش لقريش، أعلم قريش بها وبما كان منها من خير أو شر، وكان رجلا (ناجيًا) ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يهابونه ويأتونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه فيما بلغني عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن ابن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا فكان هؤلاء الثمانية النفر الذين سبقوا إلى الاسلام من المهاجرين.
فأما سبّاق الأنصار فأهل بيعة العقبة الأولى فكانوا سبعة، والثانية كانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد الدار فعلّمهم القرآن، فهو أول من جمع الصلاة بالمدينة وكانت الأنصار تحبه فأسلم معه سعد بن معاذ وعمرو بن الجموح وبنو عبد الأشهل كلهم وخلقٌ من النساء الصبيان، وكان مصعب بن عمير صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم أحد وكان وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حيث انهزم الناس، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفذت المشاقص في جوفه، فاستشهد يومئذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عند الله أحتسبه ما رأيت قط أشرف منه لقد رأيته بمكة وإن عليه بردين ما يدري ما قيمتهما وإنّ شراك نعليه من ذهب، وإنّ عن يمينه غلامين وعن يساره غلامين بيد كل واحد منهما جفنة من طعام يأكل ويطعم الناس، فآثره الله بالشهادة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُهديت إليه طرفة حناها لمصعب بن عمير فأنزل الله تعالى فيه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات: 40] الآية، وأُخذ أخوه يوم بدر أسيرًا فقال: أنا أبو غدير بن عمير أخو مصعب فلم يشدد من الوثاق مع الأسرى وقالوا: هذا الطريق فاذهب حيث شئت، فقال: إني أخاف أن تقتلني قريش فذهبوا به إلى [...] فيمدّ يده بالخبز والتمر وكان يمدّ يده إلى التمر ويدع الخبز، والخبز عند أهل المدينة أعزّ من التمر، والتمر عند أهل مكة أعزّ من الخبز فلما أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير وقالوا له: أخوك عندنا وأخبروه بما فعلوا به. فقال: ما هو لي بأخ ولا كرامة، فشدّوا وثاقه فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليًّا فأرسلت أمه في طلبه ثمّ أقبل يوم أحد فلما رأى أخاه مصعب بن عمير.
قال في نفسه: والله لا يقتلك غيري فما زال حتى قتله وفيه أنزل الله تعالى: {فَأَمَّا مَن طغى وَآثَرَ الحياة الدنيا فَإِنَّ الجحيم هِيَ المأوى} [النازعات: 37-39] ثمّ جمعهم في الثواب فقال: {رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار} وقرأ أهل مكة: من تحتها الأنهار وكذا هو في مصاحفهم {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذلك الفوز العظيم}.
قال الحسن بن الفضل: والفرق بينهما أن قوله: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار} معناه تجري من تحت الأشجار، وقوله: {تجري من تحتها} أي ينبع الماء من تحتها ثمّ تجري من تحت الأشجار.
وروي في هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: «أين السابقون؟» قال معاذ: قد مضى ناس فقال: «السابقون المستهترون بذكر الله من أراد أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله تعالى». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ} فيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم الذين صلّوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب.
الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، قاله الشعبي وابن سيرين.
الثالث: أنهم أهل بدر، قاله عطاء.
الرابع: أنهم السابقون بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى ثواب الله تعالى وحسن جزائه.
ويحتمل خامسًا: أن يكون السابقون الأولون من المهاجرين هم الذين آمنوا بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، والسابقون الأولون من الأنصار هم الذين آمنوا برسول الله ورسوله قبل هجرته إليهم.
{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: من الإيمان.
الثاني: من الأفعال الحسنة.
{رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: رضي الله عنهم بالإيمان، ورضوا عنه بالثواب، قاله ابن بحر.
الثاني: رضي الله عنهم في العبادة. ورضوا عنه بالجزاء، حكاه علي بن عيسى.
الثالث: رضي الله عنهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضوا عنه بالقبول. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}
قال أبو موسى الأشعري وابن المسيب وابن سيرين وقتادة {السابقون الأولون} من صلى القبلتين، وقال عطاء {السابقون الأولون} من شهد بدرًا.
قال القاضي أبو محمد: وحولت القبلة قبل بدر بشهرين، وقال عامر بن شراحيل الشعبي: {السابقون الأولون} من أدرك بيعة الرضون، {والذين اتبعوهم بإحسان} يريد سائر الصحابة، ويدخل في هذا اللفظ التابعون وسائر الامة لكن بشريطة الإحسان، وقد لزم هذا الاسم الطبقة التي رأت من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قال قائل إن السابقين الأولين هم جميع من هاجر إلى أن انقطعت الهجرة لكان قولًا يقتضيه اللفظ وتكون {من} لبيان الجنس، و{والذين} في هذه الآية عطف على قوله: {والسابقون}، وقرأ عمر بن الخطاب والحسن بن أبي الحسن وقتادة وسلام وسعيد ويعقوب بن طلحة وعيسى الكوفي {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصارُ} برفع الراء عطفًا على {والسابقون}، وكذلك ينعطف على كلتا القراءتين قوله تعالى: {والذين اتبعوهم بإحسان} وجعل الأتباع عديلًا للأنصار، وأسند الطبري أن زيد بن ثابت سمعه فرده فبعث عمر في أبي بن كعب فسأله فقال أبي بن كعب {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}، فقال عمر ما كنا نرى إلا أنَّا قد رفعنا رفعة لا ينالها معنا أحد، فقال أبي إن مصداق هذا في كتاب الله في أول سورة الجمعة {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} [الآية: 3] وفي سورة الحشر {والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الآية: 10] وفي سورة الأنفال في قوله: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} [الآية: 75]، فرجع عمر إلى قول أبي، ونبهت هذه الآية من التابعين وهم الذين أدركوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نبه من ذكرهم قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» فتأمله، وقرأ ابن كثير {من تحتها الأنهار} وقرأ الباقون {تحتها} بإسقاط {من} ومعنى هذه الآية الحكم بالرضى عنهم بإدخالهم الجنة وغفر ذنوبهم والحكم برضاهم عنه في شكرهم وحمدهم على نعمه وإيمانهم به وطاعتهم له جعلنا الله من الفائزين برحمته. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والسابقون الأوَّلون} فيهم ستة أقوال:
أحدها: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وقتادة.
والثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وهي الحديبية، قاله الشعبي.
والثالث: أنهم أهل بدر، قاله عطاء بن أبي رباح.
والرابع: أنهم جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصل لهم السبق بصحبته.
قال محمد بن كعب القرظي: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم الجنة محسنِهم ومسيئهم في قوله: {والسابقون الأولون}.
والخامس: أنهم السابقون بالموت والشهادة، سبقوا إلى ثواب الله تعالى، وذكره الماوردي.
والسادس: أنهم الذين أسلموا قبل الهجرة، ذكره القاضي أبو يعلى.
قوله تعالى: {من المهاجرين والأنصار} قرأ يعقوب {والأنصارُ} برفع الراء.
قوله تعالى: {والذين اتَّبعوهم باحسان} من قال: إن السابقين جميع الصحابة، جعل هؤلاء تابعي الصحابة، وهم الذين لم يصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: والذين اتَّبعوهم باحسان إلى أن تقوم الساعة.
ومن قال: هم المتقدمون من الصحابة، قال: هؤلاء تبعوهم في طريقهم، واقتدَوْا بهم في أفعالهم، ففضِّل أولئك بالسبق، وإن كانت الصحبة حاصلة للكل.
وقال عطاء: اتباعهم إياهم باحسان: أنهم يذكرون محاسنهم ويترحَّمون عليهم.
قوله تعالى: {تجري تحتَها الأنهار} قرأ ابن كثير: {من تحتها} فزاد {من} وكسر التاء الثانية.
قوله تعالى: {رضي الله عنهم} يعم الكل.
قال الزجاج: رضي الله أفعالهم، ورضوا ما جازاهم به. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}
فيه سبع مسائل:
الأُولى لما ذكر جل وعز أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار، وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة وأن منهم التابعين، وأثنى عليهم.
وقد اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم.
ونحن نذكر من ذلك طرفًا نبيّن الغرض فيه إن شاء الله تعالى.
وروى عمر بن الخطاب أنه قرأ {والأنصارُ} رفعا عطفًا على السابقين.
قال الأخفش: الخفض في الأنصار الوجه؛ لأن السابقين منهما.
والأنصار اسم إسلامي.
قيل لأنس بن مالك: أرأيت قول الناس لكم: الأنصار، اسم سماكم الله به أم كنتم تُدْعَوْنَ به في الجاهلية؟ قال: بل اسم سمانا الله به في القرآن؛ ذكره أبو عمر في الإستذكار.
الثانية نص القرآن على تفضيل السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا إلى القبلتين؛ في قول سعيد بن المسيّب وطائفة.
وفي قول أصحاب الشافعيّ هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، وهي بيعة الحُدَيْبِيَة؛ وقاله الشعبيّ.
وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار: هم أهل بدر.
واتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأوّلين من غير خلاف بينهم.